بسم الله الرحمن الرحيم
(فصل فى إثبات صفة اليد )
أولا: من الكتاب
1- قال الله جل جلاله لإبليس " مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدىّ " ( ص:75)
2 - ورد الله على اليهود عندما قالوا إن يده مغلوله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا فقال الله " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ... " (المائدة : 64 )
3- وقال الله جل وعلا " يد الله فوق أيديهم"
ثانيًا : من السنة
1- حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنه " إن الله عز وجل خلق ثلاثة أشياء بيده : خلق آدم بيده , وكتب التوراة بيده , وغرس جنة عدن بيده " أخرجه الحاكم فى المستدرك والبيهقى فى الاسماء والصفات بسند صحيح
شرح الحديث : فى هذا الحديث ذكر إثبات صفة اليد لله عز وجل وأن الله خص ثلاثة أشياء ومنها " أنه جل وعلا خلق آدم بيده تفضيلا عن جميع الخلق , ولاشك أن آدم عليه السلام تميز بهذه الخاصية ،أنه خلق بيد الله عن جميع البشر, وفى هذا رد على من يتأول اليد بالقدرة حيث أن الله خلق جميع الأشياء بقدرته فلم يبق لآدم حينئذ خصوصية يتميز بها عن جميع البشر وهنا يبطل تأويلهم اليد بالقدرة حيث ذكر فى الحديث أن الله خصّ آدم بأنه خلقه بيده فإذا أولت اليد بالقدرة لم يبق مزية له لأن الله خلق كل شىء بقدرته , وفى هذا الحديث إثبات أن لله يد حقيقية تليق به , واقرءوا إن شئتم قوله تعالى " قال يا إبليس مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدى , أستكبرت أم كنت من العالين ( ص:75)
2- حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يد الله ملأى لايغيضها نفقة سحاء الليل والنهار , وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض مافى يديه , قال عرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع " أخرجه البخارى فى التوحيد ومسلم فى الزكاة واللفظ للبخارى رحمه الله
شرح الحديث : وفى هذا الحديث إثبات صفة اليد لله عز وجل وأن له يدين حقيقتين وإبطال تأويل معانى اليد ممن يتأولها من الأشاعره وغيرهم حيث لايسوغ حمل اليد على القدرة فى الحديث , وقول النبى صلى الله عليه سلم " فإنه لم يغض مافى يديه " فقد جاءت اليد هنا بالتثنية وفى اللغة فلفظ اليدين بالتثنية لم يعرف استعماله إلا فى اليد الحقيقية , ولم يرد قط بمعنى القدرة أو النعمة .
3- حديث عبيد الله بن مقسم أنه نظر الى عبد الله بن عمر كيف يحكى رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يأخذ الله عز وجل سماواته وأراضيه بيديه , فيقول : أنا الله , ويقبض أصابعه ويبسطها " أنا الملك " ؟ حتى نظرت الى المنبر يتحرك من أسفل شىء منه حتى إنى لأقول : أساقطٌ هو برسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه مسلم
شرح الحديث : فى هذا الحديث إثبات لصفة اليد ولايسوغ حمل اليد على القدرة نظرًا لورودها بلفظ التثنية وللسياق أيضًا , وإثبات أن لله أصابع يقبضها ويبسطها وهذه قرائن تدل على أن يد الله حقيقية وأنها صفة لله تليق به سبحانه وتعالى لاتماثلان أيدى المخلوقين كما أجمع سلف هذه الأمه .
* قال ابن عبد البر المالكى فى التمهيد 7l145 " أهل السنة مُجْمِعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها فى القران والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز , إلا أنهم لايكيفون شيئا من ذلك , ولايحدون فيه صفة محصورة , وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها , ولايحمل شيئًا منها على الحقيقة , ويزعمون أن من أقر بها مشبه , وهم عند من أثبتها نافون للمعبود , والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمه الجماعة ولله الحمد "
4- عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يطوى الله السماوات يوم القيامة , ثم يأخذهن بيده اليمنى , ثم يقول أنا الملك , أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوى الأرضين السبع ثم يأخذهن بشماله ثم يقول أنا الملك, أين المتكبرون؟ " أخرجه مسلم فى كتاب صفة القيامة
شرح الحديث : فى هذا الحديث إثبات لصفة اليد وأنها يد حقيقية لله تعالى ولايحتمل معنى اليد فى الحديث لتأويل باطل , وقد صرح النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث أن الله جل وعلا يطوى السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بشماله , وهذا إثبات أن لله شمال , واليمين والشمال والأخذ لايكون إلا لليد الحقيقية التى أثبتها الله فى كتابه وأثبتها له النبى صلى الله عليه وسلم فى سنته , وأثبتها له الجماعة من السلف رضوان الله عليهم .
5- عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال " جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يامحمد , إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع , والشجر على إصبع , والماء على اصبع والثرى على إصبع , وسائر الخلق على إصبع , فيقول : أنا الملك , فضحك النبى صلى الله عليه حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر , ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " وماقدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ... الأيات " (الزمر:67) أخرجه البخارى فى التفسير ومسلم فى صفة القيامة واللفظ للبخارى وفى مسلم ( ثم يهزهن ويقول أنا الملك )
شرح الحديث : فى هذا الحديث إثبات ان لله أصابع كما أقر على ذلك سيد الخلق وأعلمهم بربه جل وعلا ليست كأصابع المخلوقين لانعلم كيفيتها وهذا لايكون إلا لليد الحقيقية , وأيضًا كما جاء عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال " ما السماوات السبع والأرضون السبع فى كف الرحمن إلا كخردلة فى يد أحدكم " أخرجه ابن جريج فى تفسيره بسند صحيح , وفى هذا الحديث إثبات أن لله كف .
ترى لو لم يكن لله يد على الحقيقة هل كان يحسن التعبير بالبسط والقبض والأخذ والخلق والكتابة والغرس واليمين والشمال والأصابع والكف وغير ذلك مما لايكون إلا لليد الحقيقية ..
*والسبب الذى أوقع المؤولة فى التأويل كما ذكر ذلك غير واحد مثل ابن خزيمة وابن تيمية والطحاوى هو ( أنهم قاسوا صفات الخالق جل وعلا على صفات المخلوقين , وقالوا إن أثبتنا هذه الصفات فقد شبهنا الله بخلقه , فحملهم ذلك على تأويل أكثر صفات الله تعالى الثابتة فى القران والسنة , وهذا خطأ ظاهر , فالله جل وعلا يقول " ليس كمثله شىء " , فلله تعالى صفات تليق بجلاله وعظمته وكبريائه , وللمخلوق صفات تليق بفقره وذله وضعفه , فلا يلزم من إثبات صفه لله لها نظير فى الاسم عند المخلوقات أن تكون مماثله لها , فإذا كان قد ثبت فى القران أن الأيدى والأرجل والجلود تتكلم يوم القيامة , وثبت فى السنة أن الحجر كان يسلم على النبى صلى الله عليه وسلم ولم يلزم من هذا الإثبات المماثلة بين المخلوقات فهى فى حق البارى الذى ليس كمثله شىء أبعد وأبعد , ولله المثل الأعلى , فصفات الله تعالى لاتماثل صفات المخلوقين ) التوحيد لابن
خزيمة 1l57-117 , مجموع الفتاوى 5l27 , شرح الطحاوية ص57-68
* أقوال السلف رضوان الله عليهم
· قال الإمام العلم أبو حنيفه رحمه الله تعالى صاحب المذهب المعروف فى كتابه الفقه الأكبر ( وله يد ووجه ونفس كما ذكره الله تعالى فى القرآن , فما ذكره الله تعالى فى القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف , ولايقال أن يده قدرته أو نعمته , لأن فيه إبطال الصفة , وهو قول أهل القدر والاعتزال ) الفقه الأكبر ص302
وقال فى كتابه الفقه الأبسط ( لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين , وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف , وهو قول أهل السنة والجماعة , وهو يغضب ويرضى ولايقال غضبه عقوبته , ورضاه ثوابه , ونصفه كما وصف نفسه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد , حى قادر سميع بصير عالم , يد الله فوق أيديهم , ليست كأيدى خلقه , ووجهه ليس كوجوه خلقه ) الفقه الأبسط ص56
· قال الإمام مالك رحمه الله عندما سئل عن الاستواء ( الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه ) وكذلك الإتيان والنزول والمجىء وغيرها من صفات الخالق جل وعلى ... رواه الدارمي في الرد على الجهمية ( ص 55 ، 56 ) , والبيهقي في الأسماء والصفات ( 2 \ 150 ، 151 ) , وابن عبد البر في التمهيد ( 7 \ 138) وغيرهم كثير ..
· قال ابن عبد البر الاندلسى المالكى وهو من كبار أئمه المالكية رحمه الله المولود سنة 368هــ , وقد نقل إجماع السلف رضوان الله عليهم على أنهم يحملون صفات الله الوارده فى الكتاب والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز , إلا أنهم لايكيفون شيئًا من ذلك , ولايحدون فيه صفه محصورة , وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها , ولايحملوا شيئًا منها على الحقيقة , ويزعمون أن من أقر بها مشبه , وهم عند من أثبتها نافون للمعبود , والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة ولله الحمد ) التمهيد 7-145
· وقد ترجم الذهبى فى سير أعلام النبلاء للإمام الحجة الفقيه أبو بكر الأسماعيلى رحمه الله الذى ولد سنة 277هـ أنه قال: اعلموا رحمكم الله أن مذهب أهل الحديث الإقرار بالله وملائكتة وكتبه ورسله , وقبول مانطق به كتاب الله , وماصحت به الروايه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , لامعدل عن ذلك , ويعتقدون بأن الله مدعو بأسمائه الحسنى , وموصوف بصفاته التى وصف بها نفسه , ووصفه بها نبيه , خلق آدم بيديه , ويداه مبسوطتان بلا اعتقاد كيف , واستوى على العرش بلا كيف , وذكر سائر الاعتقاد )
· وذكر الذهبى رحمه الله فى ترجمه الإمام الخطيب البغدادى رحمه الله صاحب كتاب تاريخ بغداد والذى هو من أئمة الحديث الكبار وكتابه الكفايه فى علم الرواية خير شاهد , وكل من صنف بعده فهم عيال عليه , قال رحمه الله ( أما الكلام فى الصفات , فإن ما روى منها فى السنن الصحاح , مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها , ونفى الكيفية والتشبيه عنها , وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله , وحققها قوم من المثبتين , فخرجوا من ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف , والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين , ودين الله تعالى بين الغالى فيه والمقصر عنه , والأصل فى هذا أن الكلام فى الصفات فرع الكلام فى الذات , ويحتذى فى ذلك حذوه ومثاله , فإذا كان معلومًا أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية , فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف ) أخرجه ابن قدامه فى ذم التأويل ص15 بسند صحيح , والذهبى فى سير أعلام النبلاء ص238 بسند صحيح..
· وقد بوب ابن ماجه فى سننه بابًا سماه ( باب فيما أنكرت الجهمية ) , وصدر به حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق: " رحمتى سبقت غضبى "
· قال إسحاق بن راهويه الإمام العلم من ائمة السلف الكبار المولود سنة 161هـ والمتوفى سنة 238هـ كما ذكر ذلك الترمذى فى سننه أنه قال " إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد , أو سمع كسمع أو مثل سمع , فهذا التشبيه , وأما إذا قال كما قال الله تعالى , يد وسمع وبصر لا يقول كيف , ولايقول مثل سمع ولا كسمع , فهذا لايكون تشبيهًا ) أخرجه الترمذى فى سننه.
· قال الإمام أحمد بن حنبل: " نعبد الله بصفاته كما وصف به نفسه ، قد أجمل الصفة لنفسه ، ولا نتعدى القرآن والحديث ، فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه ، ولا نتعدى ذلك ، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ، ولا نزيل عنه تعالى ذكره صفة من صفاته شناعة شنعت " ابن بطة في "الإبانة الكبرى" بسنده
· قال الإمام الترمذى : (هكذا رُوِي عن مالك، و سفيان بن عيينة، و عبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: "أمروها بلا كيف". وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا: هذا تشبيه. وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه: اليد والسمع والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده. وقالوا: إن معنى اليد ههنا القوة.) الجامع الكبير - الترمذي (ج2 ص42-43)
* قال ابن القيم رحمه الله فى نونيته
لسنا نشبه وصفه بصفاتنا ........ إن المشبه عابد الأوثان
كلا ولانخليه عن أوصافه........ إن المعطل عابد البهتان
من شبه الله العظيم بخلقه......... فهو النسيب لمشرك نصرانى
أو عطل الرحمن عن أوصافه.... فهو الكفار وليس ذا إيمان
· قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فى كتابه العقيدة الواسطية ( ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف الله به نفسه فى كتابه , وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولاتعطيل , ومن غير تكييف ولاتمثيل ).
· وقال فى مجموع الفتاوى (وجماع القول فى إثبات الصفات هو القول بما كان عليه سلف الأمه وأئمتها وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله ويصان ذلك عن التحريف والتمثيل والتكييف والتعطيل , فإن الله ليس كمثله شىء لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله , فمن نفى صفاته كان معطلا , ومن مثل صفاته بصفات مخلوقاته كان ممثلا , والواجب إثبات الصفات ونفى مماثلتها لصفات المخلوقين إثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل كما قال تعالى " ليس كمثله شىء " فهذا رد على الممثلة , " وهو السميع البصير " ردًا على المعطلة , فالممثل يعبد صنمًا والمعطل يعبد عدما وطريقة الرسل صلوات الله عليهم إثبات صفات الكمال لله على وجه التفصيل وتنزيهه بالقول المطلق عن التمثيل , فطريقتهم إثبات مفصل ونفى مجمل).
وهذا هو مذهب السلف رضوان الله عليهم وهى الطريقة الصحيحة والتى عليها إجماعهم , وعليها الدليل من الكتاب والسنة
وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. انتهى
نرجوا حفظ الحقوق عند النشر بذكر مصدر الموضوع وكاتبه صاحب هذا البحث الاخ عبد الرحمن السلفى،،،